الإخلاص
تعريـفــه: أ / لغة: لفظَ (الإخلاص) يدور في اللغةِ على (التنقية) و(التهذيب)،
ب/ إصطلاحِا : لقد تعددت تعريفات علماء النفس المسلمين الربانيين، فقيل هو ( تصفية العمل من كل شوب ) ([1])
وقال العارف بالله الجنيد ([2])
الإخلاص سرّ بين الله وبين العبد،لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله.[([3])
وقال الشيخ (حسن البنا) ([4])وهو يستعرض أركان البيعة في جماعته )الإخلاص أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله ،وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو لقب أو تقدم أو تأخر ،وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة ،لا جندي غرض ومنفعة( قُلْ إِنَّ صلاَتِي وَ نُسُكِي وَمَحْيَايْ وَمَمَاتِي لله رَبِّ العَالِمِينَ لاَشَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ ..) ([5]) وبذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم. ( الله غايتنا ). و( الله أكبر ولله الحمد ) ([6]) .
فسّر الإمام فضيل بن عياض ([7]) (أحسن عملاً ) في قوله تعالى ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا )([8]) قال: هو أخلصه وأصوبه . قالوا ما أخلصه وأصوبه ؟ قال: إنّ العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل
حتى يكون خالصا صوابا ثم قرأ قوله تعالى : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ([9])
حـكـمـــه:
الإخلاص من أعظم الواجبات وأخطرها ،عليه يتوقف قَبُول كل الواجبات،فتأكّد يا أخي من وجود هذا الكنـز فيك وإلاّ ما نفعك عملك ولن ينجيك .بل لو حلّ محلـه نقيضه (الرياء) لكنتَ من أوائل الداخلين لجهنم ،كما سيأتي لاحقا بيانه .وقد وردت عشرات النصوص من الكتاب والسنّة في وجوبه وضرورته نكتفي بذكر بعضها .
أ / من القرآن
ومَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ[ ([10]) وقال أيضا )قُلْ إِنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايْ وَمَمَاِتي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ لاَشَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأنَا أوَّل المُسْلِمِينَ [ ([11])
جاء رجل ([12]) إلى رسول الله rفقال إني أحبُّ الجهاد في سبيل الله وأحبُّ أن يرى مكاني.فنزل قوله تعالى : )فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَاِلحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَاَدَةِ رَبّهِ أَحَدًا [([13]).وتدبر معي يا أخي الآية الآتية
التي أظن أنها أخوف آية حيث يصف فيها الله حال بعض المسلمين ممن عملوا الصالحات في الدنيا وهم يحسبون أنهم أحسنوا صنعا : )وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [([14]) .
ب/من السّنـة: الحديث المشهور ) إنّـمَا الأعمالُ بالنيات وإنّما لكل امرئ ما نوى(([15]).أي لا يقبل أي عمل مشروع إلا بإخلاص النية لله ،ومن كرم الله على عباده أنه يجازيهم عن كل عمل صالح نووا القيام به لكن منعهم العذر من أدائه،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ )rمَنْ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَنْوِ إِلَّا عِقَالًا فَلَهُ مَا نَوَى( ([16]) .
وكم يشعر المخلص بهول الموقف وهو يقرأ هذا الحديث : ) إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّار[([17])
في ظــلال الإخــلاص
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ...
" لايجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح و الثناء و الطمع فيما عند الناس ، إلا كمايجتمع الماء و النار و النَّصَب و الحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل علىالطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس ، وأقبل على المدح و الثناء فأزهد فيهما زهد عشاقالدنيا في الآخرة ، فإذا استقام لك ذبح الطمع و الزهد في الثناء و المدح ، سهُل عليك الإخلاص.
مميز فإن قلت : وما الذي يُسهل عليّ ذبح الطمع و الزهد فيالثناء و المدح؟
قلت : أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقيناً أنه ليس منشئ يُطمع فيه إلا و بيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره ، ولا يؤتي العبد منهاشيئاً سواه .
ميز وأما الزهد في الثناء و المدح فيسهله عليك علمك أنه ليسأحد ينفع مدحه ويزين ، ويضر ذمه و يشين إلا الله وحده، كما قال ذلك الأعرابي للنبيصلى الله عليه وآله وسلم : إن مدحي زين و ذمي شين ، فقال ( ذاك الله عز وجل
فازهد في مدح من لا يزينك مدحه ، و في ذم من لا يشينك ذمه ، وارغب في مدحمن كل الزين في مدحه ، و كل الشين في ذمه، ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر و اليقين ،فمتى فقدت الصبر و اليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب، قال تعالى) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لايُوقِنُونَ) الروم/60. وقال أيضا: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَبِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) السجدة/24
الفوائد لابن القيم
- طبعة دار اليقين ص: 187